21 مارس، 2016 ·
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اولى خطوات المتصوف .....
التصوف هو طريق الحب الذي يسير فيه الصوفي خطوة بخطوة كي يصل في النهاية إلى الحب الكلي، الذي يشمل البشر والمخلوقات الحية والجمادات وكل شيء. إنه أسلوب حياة قائم على الحب، فإن كنت معترضًا على تسميته بالصوفية فأطلق عليه المسمى الذي يروق لك، فالأسماء والشكليات والتفاصيل لا قيمة لها في هذا الطريق، وإنما الأهم هو الأثر والنتيجة.
وأبدأ وصف هذا الطريق مع الخطوة الأولى التي يجب أن يخطوها الصوفي فيه، والتي يمكن وصفها بأنها خطوة الموت قبل الموت، إنها الخطوة التي يبدأ فيها الصوفي الانفصال عن نفسه وتركها، فيعلو فوق ذاته ورغباته ونفسه واحتياجاته (ولا أقصد أن يحرم نفسه من هذه الأمور، ولكن أقصد ألا تكون هذه الأمور هي غايته التي يسعى إليها ويتخذ كل قراراته ويقدم على أفعاله من أجلها).
فبهذه الخطوة يبدأ الصوفي الحقيقي في أن يضع الحب الكلي غاية له؛ فيكون على استعداد أن يضحي بذاته ورغباته واحتياجاته من أجل الحب، فلا يبرر أفعاله وقراراته من أجل رغباته، ولكنه يجعل من ذاته ورغباته واحتياجاته خادمين للحب، فلا يصدر عنه فعل أو يتخذ قرارًا إلا لأجل الحب، وبالتالي تكون الصفة الرئيسية في الصوفي هي صفة الصدق
ولا أعني بالصدق هنا مجرد أن يقول الصوفي الحقيقة، ولكنه يتجاوز ذلك ليتخذ من الصدق منهجًا له يسير به مع كل شيء، وأول ما يبدأ بالصدق معه أن يصدق مع ذاته؛ فيعترف بعيوبه ومثالبه دون أن يجعل ذلك سببًا في كراهيته لنفسه، فالصوفي لا يكره شيئًا، ويصدق مع احتياجاته، فلا يقع في فخ التبرير الذي يجعله يبرر مواقفه وأفعاله حتى لا يعترف بأن هذه المواقف والأفعال لأجل رغباته التي يراها دنيئة أو لا تليق به، أو الخارجة عن الأخلاقيات الكريمة والتي لا يريد الاعتراف بدناءتها، ويحتاج أن يلبسها ثوبًا بريئًا يريح به ضميره.
فعندما يصبح الصدق هو أسلوب حياة الصوفي يستطيع أن يكشف أدق خبايا نفسه، وكلما ازداد تصوفًا ازداد قدرة على كشف دقائق نفسه، فيصبح أكثر قدرة على التعامل معها، وهنا يكتشف أن كل الرغبات والاحتياجات التي تحرق قلبه ونفسه تجعله غير قادر على الحياة، شاكيًا باستمرار من التعاسة والحيرة، فيعلو على هذه الرغبات ولا يصير خادمًا لها؛ فينفتح أمامه الطريق كي يكمل مشواره نحو الحب الكلي.
ففي الصدق يصبح الصوفي ميتًا عن نفسه ذاهلاً عنها، فلا تخدعه ولا تستغله، ويبدأ الصوفي حياة جديدة لا لنفسه الأنانية، ولكن من أجل الحب، فيملأ حياته وحياة من حوله بالحب، الحب الخالص المتخلص من الشروط والاحتياجات، الحب الحر، حب بلا قيود، وبلا رغبات. إنه الحب من أجل الحب، أي من أجل الله.